سورة يوسف - تفسير تفسير النسفي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (يوسف)


        


{واسئل القرية التى كُنَّا فِيهَا} يعني مصر أي أرسل إلى أهلها فاسألهم عن كنه القصة {والعير التى أَقْبَلْنَا فِيهَا} وأصحاب العير وكانوا قوماً من كنعان من جيران يعقوب عليه السلام {وِإِنَّا لصادقون} في قولنا فرجعوا إلى أبيهم وقالوا له ما قال لهم أخوهم {قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا} أردتموه وإلا فمن أدرى ذلك الرجل أن السارق يسترق لولا فتواكم وتعليمكم {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى الله أَن يَأْتِيَنِى بِهِمْ جَمِيعًا} بيوسف وأخيه وكبيرهم {إِنَّهُ هُوَ العليم} بحالي في الحزن والأسف {الحكيم} الذي لم يبتلني بذلك إلا لحكمة {وتولى عَنْهُمْ} وأعرض عنهم كراهة لما جاؤوا به {وَقَالَ ياأسفا عَلَى يُوسُفَ} أضاف الأسف وهو أشد الحزن والحسرة إلى نفسه. والألف بدل من ياء الإضافة، والتجانس بين الأسف ويوسف غير متكلف ونحوه {اثاقلتم إِلَى الأرض أَرَضِيتُم} [التوبة: 38] {وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ} [الأنعام: 26] {وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا} [الكهف: 104] {مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ}) النحل: 22) وإنما تأسف دون أخيه وكبيرهم لتمادي أسفه على يوسف دون الآخرين، وفيه دليل على أن الرزء فيه مع تقادم عهده كان غضاً عنده طرياً {وابيضت عَيْنَاهُ} إذ أكثر الاستعبار ومحقت العبرة سواد العين وقلبته إلى بياض كدر. وقيل: قد عمي بصره. وقيل: كان قد يدرك إدراكاً ضعيفاً {مِنَ الحزن} لأن الحزن سبب البكاء الذي حدث منه البياض فكأنه حدث من الحزن. قيل: ما جفت عينا يعقوب من وقت فراق يوسف إلى حين لقائه ثمانين عاماً وما على وجه الأرض أكرم على الله من يعقوب ويجوز للنبي عليه السلام أن يبلغ به الجزع ذلك المبلغ لأن الإنسان مجبول على أن لا يملك نفسه عند الحزن فلذلك حمد صبره، ولقد بكى رسول الله صلى الله عليه وسلم على ولده إبراهيم، وقال: «القلب يجزع والعين تدمع ولا نقول ما يسخط الرب وإنا عليك يا إبراهيم لمحزونون» وإنما المذموم الصياح والنياحة ولطم الصدور والوجوه وتمزيق الثياب {فَهُوَ كَظِيمٌ} مملوء من الغيظ على أولاده ولا يظهر ما يسوؤهم فعيل بمعنى مفعول بدليل قوله {إِذْ نادى وَهُوَ مَكْظُومٌ} [القلم: 48] من كظم السقاء إذا شده على ملئه.


{قَالُواْ تَالله تَفْتَأُ} أي لا تفتأ فحذف حرف النفي لأنه لا يلتبس إذ لو كان إثباتاً لم يكن بد من اللام والنون. ومعنى لا تفتأ لا تزال {تَذْكُرُ يُوسُفَ حتى تَكُونَ حَرَضاً} مشفياً على الهلاك مرضاً {أَوْ تَكُونَ مِنَ الهالكين قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثّى وَحُزْنِى إِلَى الله} البث أصعب الهم الذي لا يصبر عليه صاحبه فيبثه إلى الناس، أي بنشره أي لا أشكو إلى أحد منكم ومن غيركم إنما أشكو إلى ربي داعياً له وملتجئاً إليه فخلوني وشكايتي. وروي أنه أوحى إلى يعقوب. إنما وجدت عليكم لأنكم ذبحتم شاة فوقف ببابكم مسكين فلم تطعموه وإن أحب خلقي إليّ الأنبياء ثم المساكين فاصنع طعاماً وادع عليه المساكين. وقيل: اشترى جارية مع ولدها فباع ولدها فبكت حتى عميت {وَأَعْلَمُ مِنَ الله مَا لاَ تَعْلَمُونَ} وأعلم من رحمته أنه يأتيني بالفرج من حيث لا أحتسب، وروي أنه رأى ملك الموت في منامه فسأله: هل قبضت روح يوسف؟ فقال: لا والله هو حي فاطلبه وعلمه هذا الدعاء (ياذا المعروف الدائم الذي لا ينقطع معروفه أبداً ولا يحصيه غيرك فرج عني).


{يبَنِيَّ اذهبوا فَتَحَسَّسُواْ مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ} فتعرفوا منهما وتطلبوا خبرهما وهو تفعل من الإحساس وهو المعرفة {وَلاَ تَايْئَسُواْ مِن رَّوْحِ الله} ولا تقنطوا من رحمة الله وفرجه {إِنَّهُ} إن الأمر والشأن {لاَ يَايْئَسُ مِن رَّوْحِ الله إِلاَّ القوم الكافرون} لأن من آمن يعلم أنه متقلب في رحمة الله ونعمته، وأما الكافر فلا يعرف رحمة الله ولا تقلبه في نعمته فييأس من رحمته، فخرجوا من عند أبيهم راجعين إلى مصر {فَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَيْهِ} على يوسف {قَالُواْ يا أَيُّهَا العزيز مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضر} الهزال من الشدة والجوع {وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُّزْجَاةٍ} مدفوعة يدفعها كل تاجر رغبة عنها واحتقاراً لها من أزجيته إذا دفعته وطردته. قيل: كان دراهم زيوفاً لا تؤخذ إلا بوضيعة. وقيل: كانت صوفاً وسمناً {فَأَوْفِ لَنَا الكيل} الذي هو حقنا {وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا} وتفضل علينا بالمسامحة والإغماض عن رداءة البضاعة أوزدنا على حقنا أوهب لنا أخانا {إِنَّ الله يَجْزِى المتصدقين} ولما قالوا مسنا وأهلنا الضر وتضرعوا إليه وطلبوا منه أن يتصدق عليهم ارفضت عيناه ولم يتمالك أن عرفهم نفسه حيث قال: {قَالَ هَلْ عَلِمْتُمْ مَّا فَعَلْتُم بِيُوسُفَ} أي هل علمتم قبح ما فعلتم بيوسف {وَأَخِيهِ إِذْ أَنتُمْ جاهلون} لا تعلمون قبحه أو إذ أنتم في حد السفه والطيش وفعلهم بأخيه تعريضهم إياه للغم بإفراده عن أخيه لأبيه وأمه وإيذاؤهم له بأنواع الأذى {قَالُواْ أَءنَّكَ} بهمزتين: كوفي وشامي {لأَنتَ يُوسُفُ} اللام لام الابتداء و{أنت} مبتدأ و{يوسف} خبره، والجملة خبر (إن) {قَالَ أَنَاْ يُوسُفُ وهذا أَخِى} وإنما ذكر أخاه وهم قد سألوه عن نفسه لأنه كان في ذكر أخيه بيان لما سألوه عنه {قَدْ مَنَّ الله عَلَيْنَا} بالألفة بعد الفرقة وذكر نعمة الله بالسلامة والكرامة ولم يبدأ بالملامة {إِنَّهُ مَن يَتَّقِ} الفحشاء {وَيِصْبِرْ} عن المعاصي وعلى الطاعة {فَإِنَّ الله لاَ يُضِيعُ أَجْرَ المحسنين} أي أجرهم فوضع المحسنين موضع الضمير لاشتماله على المتقين والصابرين. وقيل: من يتق مولاه ويصبر على بلواه لا يضيع أجره في دنياه وعقباه.

7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14